سورة آل عمران - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه فنزلت هذه الآية، فعرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فلم يقبلوها. وقال ابن عباس: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانهم الشنوف وهم يسجدون لها فقال: يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل فقالت قريش: إنما نعبد ها حباً لله لتقربنا إلى الله زلفى فنزلت هذه الآية. وقيل: إن نصارى نجران قالوا: إنما نقول هذا القول في عيسى حباً لله وتعظيماً له فأنزل الله {قل يا محمد إن كنتم تحبون الله} فيما تزعمون فاتبعوني يحببكم الله لأنه قد ثبتت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالدلائل الظاهرة والمعجزات الباهرة فوجب على كافة الخلق متابعته. والمعنى قل: إن كنتم صادقين في ادعاء محبة الله فكونوا منقادين لأوامره مطيعين له فاتبعوني، فإن اتباعي من محبة الله تعالى وطاعته. وقال العلماء: إن محبة العبد لله عبارة عن إعظامه وإجلاله وإيثار طاعته واتباع أمره ومجانبة نهيه، ومحبة الله للعبد ثناؤه عليه ورضاه عنه وثوابه له وعفوه عنه فذلك قوله تعالى: {ويغفر لكم ذنوبكم} يعني أن من غفر له فقد أزال عنه العذاب {والله غفور رحيم} يعني أنه تعالى يغفر ذنوب من أحبه ويرحمه بفضله وكرمه، ولما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين لأصحابه: إن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم فأنزل الله عز وجل: {قل أطيعوا الله والرسول} يعني أن طاعة الله متعلقة بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن طاعته لا تتم مع عصيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: كل أمر أو نهي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى ذلك في الفريضة واللزوم مجرى ما أمر الله به في كتابه أو نهى عنه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فإن طاعتكم لمحمد صلى الله عليه وسلم طاعتكم لي، فأمّا أن تطيعوني وتعصوا محمداً فلن أقبل منكم. {فإن تولوا} أي أعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فإن الله لا يحب الكافرين} أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم.
(خ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلاّ من أبى قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى».
(ق) عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني».


قوله عز وجل: {إن الله اصطفى آدم نوحاً} قال ابن عباس: قالت اليهود: نحن من أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونحن على دينهم فأنزل الله هذه الآية. والمعنى أن الله اصطفى هؤلاء بالإسلام وأنتم يا معشر اليهود على غير دين الإسلام. ومعنى اصطفى اختار من الصفوة وهي الخالص من كل شيء آدم هو أبو البشر عليه السلام ونوحاً هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام. وحكى ابن الجوزي في تفسيره عن أبي سليمان الدمشقي أن اسم نوح السكن وإنما سمي نوحاً لكثرة نوحه على نفسه {وآل إبراهيم} قيل: آراد بآل إبراهيم إبراهيم نفسه، وقيل آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب وذلك أن الله تعالى جعل إبراهيم أصلاً لشعبتين فجعل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أصلاً للعرب ومحمد صلى الله عليه وسلم منهم فهو داخل في هذا الاصطفاء، وجعل إسحاق أصلاً لبني إسرائيل، وجعل فيهم النبوة والملك إلى زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم جمع له ولأمته النبوة والملك إلى يوم القيامة. وقيل: أراد بآل إبراهيم من كان على دينه {وآل عمران} واختلفوا في عمران هذا فقيل: هو عمران بن هو يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وهو والد موسى وهارون فيكون آل عمران موسى وهارون أو نفسه، وقيل: هو عمران بن آشيم بن آمون وقيل: ابن ماتان وهو من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وعمران هذا هو والد مريم وابنها عيسى فعلى هذا يكون المراد بآل عمران مريم وابنها عيسى عليه السلام، وإنما خص هؤلاء بالذكر لأن الأنبياء والرسل من نسلهم {على العالمين} أي اختارهم واصطفاهم على العالمين بما خصهم من النبوة والرسالة {ذرية} أي اصطفى ذرية وأصلها من ذرأ بمعنى خلق وقيل: من الذر لأن الله تعالى استخرجهم من ظهر آدم كالذر وإنما سمي الآباء والأبناء ذرية لآن الله خلق بعضهم من بعض، فالأبناء من ذرية الآباء والآباء من ذرية آدم وهو ممن ذرأه الله تعالى أي خلقه {بعضها من بعض} أي بعضها من ولد بعض وقيل: بعضها من بعض في التناصر والتعاضد وقيل: بعضها على دين بعض {والله سميع عليم} يعني أن الله تعالى سميع لأقوال العباد عليم بنياتهم وإنما يصطفى لنبوته ورسالته من يعلم استقامته قولاً وفعلاً.
قوله عز وجل: {إذ قالت امرأة عمران} هي حنة بنت فاقوذا أم مريم وعمران هو عمران بن ماثان وقيل: ابن أشيم وليس بعمران أبي موسى لأن بينهما ألفاً وثمانمائة سنة، وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل في ذلك الزمن وأحبارهم وملوكهم {رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً} أي جعلت الحمل الذي في بطني نذراً محرراً مني لك، والنذر ما يوجبه الإنسان على نفسه، والمعنى محرراً أي عتيقاً خالصاً مفرغاً لعبادة الله وخدمة الكنيسة لا أشغله بشيء من أمور الدنيا.
قيل: كان المحرر عندهم إذا حرر جعل في الكنيسة فيقوم عليها ويخدمها ولا يبرح مقيماً فيها حتى يبلغ الحلم ثم يخير فإن أحب أقام فيها، وإن أحب ذهب حيث يشاء، فإن اختار الخروج بعد أن أختار الإقامة في الكنيسة لم يكن له ذلك، ولم يكن أحد من أنبياء بني إسرائيل ومن علمائهم إلا ومن أولاده محرر لخدمة بيت المقدس، ولم يكن يحرر إلاّ الغلمان ولا تصلح الجارية لخدمة بيت المقدس لما يصيبها من الحيض والأذى فحررت أم مريم ما في بطنها، وكانت القصة في ذلك على ما ذكره أصحاب السير والأخبار أن زكريا وعمران تزوجا أختين فكانت إيشاع بنت فاقوذا وهي أم يحيى عند زكريا، وكانت حنة بنت فاقوذا أخت إيشاع عند عمران وهي أم مريم، وكان قد أمسك عن حنة الولد حتى أيست وكبرت وكانوا أهل بيت صالحين وهم من الله بمكان، فبينما هي في ظل شجرة إذ بصرت بطائر يطعم فرخاً فتحركت نفسها بذلك للولد، فدعت الله أن يهب لها ولداً وقالت: اللّهم لك علي إن رزقتني ولداً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس، فيكون من سدنته وخدمه فلما حملت بمريم حررت ما في بطنها ولم تعلم ما هو فقال لها زوجها: ويحك ما صنعت أرأيت إن كان ما في بطنك أنثى فلا تصلح لذلك فوقعاً جميعاً في هم شديد من أجل ذلك. فمات عمران قبل أن تضع حنة حملها ثم قال تعالى حاكياً عنها {فتقبل مني} يعني فتقبل نذري، والتقبل أخذ الشيء على الرضا وأصله من المقابلة لأنه يقابل بالجزاء وهذا سؤال من لا يريد بما فعله إلاّ الطلب لرضا الله تعالى والإخلاص في دعائه وعبادته {إنك أنت السميع} يعني لتضرعي ودعائي {العليم} يعني بنيتي وما في ضميري.


قوله عز وجل: {فلما وضعتها} أي ولدت حملها وإنما قال: وضعتها لأنه كان في علم الله أنها جارية وكانت حنة ترجو أن يكون غلاماً {قالت} يعني حنة {رب إني وضعتها أنثى} تريد بذلك اعتذار إلى الله من إطلاقها النذر المتقدم فذكرت ذلك على سبيل الاعتذار لا على سبيل الإعلام، لأن الله تعالى عالم بما في بطنها قبل أن تضعه {والله أعلم بما وضعت} قرئ بجزم التاء إخباراً عن الله تعالى والمعنى أنه تعالى قال: والله أعلم بالشيء الذي وضعت. وقرئ وضعت برفع التاء وهو من كلام أم مريم على تقدير أنها لما قالت رب: إني وضعتها أنثى خافت أن تكون أخبرت الله بذلك فأزالت هذه الشبهة بقولها والله أعلم بما وضعت {وليس الذكر كالأنثى} يعني في خدمة الكنيسة والعباد الذين فيها، وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره وليس الأنثى كالذكر، والمراد منه تفضيل الذكر على الأنثى لأن الذكر يصلح للخدمة للكنيسة ولا تصلح الأنثى لذلك لضعفها، وما يحصل لها من الحيض لأنها عورة ولا يجوز لها الحضور مع الرجال. وقيل: في معنى الآية: إن المراد منها هو تفضيل هذه الأنثى على الذكر كأنها قالت: كان الذكر مطلوبي لخدمة المسجد وهذه الأنثى هي موهوبة لله تعالى، وليس الذكر التي طلبت كالأنثى التي هي موهبة لله تعالى وكانت مريم من أجمل النساء وأفضلهن في وقتها {وإني سميتها مريم} يعني العابدة والخادمة وهو بلغتهم أرادت بهذه التسمية أن يفضلها الله على إناث الدنيا {وإني أعيذها بك وذريتها} أي أمنعها وأجيرها بك وذريتها {من الشيطان الرجيم} يعني اللعين الطريد وذلك أن حنة أم مريم لما فاتها ما كانت تطلب من أن تكون ولدها ذكراً، فإذا هي أنثى تضرعت إلى الله تعالى أن يحفظها ويعصمها من الشيطان الرجيم، وأن يجعلها من الصالحات العابدات.
(ق) عن أبي هريرة قال: سمعت الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من بني آدم من مولود إلاّ نخسه الشيطان حتى يولد فيستهل صارخاً من نخسه إياه إلاّ مريم وابنها» ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}. وللبخاري عنه قال: كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعيه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب ليطعن فطعن في الحجاب.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9